اليورو يقترب من التكافؤ مع الدولار الأمريكي، فما أسباب ذلك؟
انخفض اليورو إلى أدنى مستوى له في خمس سنوات مقابل الدولار الأمريكي خلال الأسبوع الماضي ليختبر المستوى النفسي الرئيسي 1.05 دولار، بعد أن كان في تراجع مستمر لمدة عام تقريبًا منخفضًا من حوالي 1.22 دولار في يونيو الماضي، وقد خسرت العملة الموحدة ما يزيد عن 7% منذ بداية هذا العام حتي الآن، وفي شهر أبريل وحده تراجعت بنحو 4.5%، على ما يبدو أن اليورو يقترب من التكافؤ مع الدولار الأمريكي في سوق تداول العملات الأجنبية لأول مرة منذ 20 عامًا، ولكن استراتيجيي العملة منقسمون حول ما إذا كان سيصل إلى هناك، وماذا سيعني للمستثمرين والاقتصاد.
تعرض اليورو لضغوط هبوطية كبيرة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير وتحول إلى بيئة يتجنب المستثمرون فيها المخاطرة استجابةً للمخاوف بشأن الاقتصاد العالمي، خاصة مع تزايد عمليات الإغلاق الصينية لكوفيد 19، جنبًا إلى جنب، سياسة البنك الاحتياطي الفيدرالي المتشددة.
فما هي النظرة المستقبلية لقيمة اليورو في هذه البيئة؟ وهل هناك احتمالية لتحقيق التكافؤ إذا انخفضت اتجاهات اليورو؟
كيف كان أداء اليورو خلال عام 2022؟
بعد وصول اليورو إلى أعلى مستوى له عند 1.2267 في مايو 2021، اتجه زوج اليورو / الدولار الأمريكي هبوطيًا، انخفض الزوج بأكثر من 20% خلال الـ 12 شهرًا الماضية وهبط إلى أدنى مستوى له منذ يناير 2017 عند 1.0473 في 28 أبريل، ومنذ ذلك الحين، ظل السعر ثابتًا عند حوالي 1.05 دولار مرتفعاً مرة أخرى فوق 1.06 في 4 مايو.
ما الذي أدى إلى انخفاض اليورو؟
على مدار الشهرين الماضيين، كان الصراع الروسي الأوكراني هو التأثير الأكثر أهمية على اليورو، حيث أن روسيا هي مورد رئيسي للطاقة إلى أوروبا، ومع تصعيد العقوبات الغربية ضد البلاد انخفض اليورو، وقد أثرت المخاوف من أن تستهدف العقوبات الطاقة الروسية على اليورو.
وقد شهدت أسعار الطاقة ارتفاع بشكل كبير منذ بدء أزمة أوكرانيا، حيث ارتفع سعر الغاز الطبيعي في أوروبا بأكثر من 500% مقارنةً بهذا الوقت من العام الماضي ويتم تداوله حاليًا عند مستوى قياسي.
تعمل أسعار الطاقة المرتفعة على رفع التضخم في منطقة اليورو، وقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين إلى أعلى مستوى له خلال هذا العام عند 7.5% في شهر أبريل، وبلغ تضخم الجملة وفقًا لمؤشر أسعار المنتجين مستوى قياسيًا مرتفعًا بلغ 36.8%، مما يشير إلى أن أسعار المستهلكين لا تزال بحاجة إلى مزيد من الارتفاع.
يؤثر ارتفاع التضخم وأزمة تكلفة المعيشة وعدم اليقين الناجم عن الصراع على ثقة الأعمال والمستهلكين في منطقة اليورو، كما أن اضطرابات سلاسل التوريد بسبب الحرب وتراجع التجارة مع روسيا وأوكرانيا أضافت ضغطًا أيضًا إلى الصورة الاقتصادية المتدنية، وقد خفض صندوق النقد الدولي (IMF) توقعات الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بنسبة 1 % في عام 2022، مضيفًا أن ألمانيا وفرنسا قد تسقطان في الركود هذا العام.
أعلنت شركة غازبروم الروسية الموردة للغاز في 27 أبريل أنها أوقفت الإمدادات إلى بولندا وبلغاريا لأنهما لم يدفعا بالروبل، مما زاد التهديد بأن روسيا قد تقطع الإمدادات إلى الدول الأخرى التي تعتمد على الغاز مثل ألمانيا، تولد بولندا الكهرباء بشكل أساسي من الفحم ولديها مخزونات من الغاز في المخازن، لكن تعليق الإمدادات عن ألمانيا سيكون له تأثير على النمو الاقتصادي في منطقة اليورو حيث ستحتاج البلاد إلى تقنين مخزونات الغاز لديها، قد يجبر ذلك البنك المركزي الأوروبي على كبح بعض من تفاؤله بشأن رفع أسعار الفائدة.
وكشف الاتحاد الأوروبي عن خطط للتخلص التدريجي من النفط الروسي خلال الأشهر الستة المقبلة، لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين في آفاق منطقة اليورو بالنظر إلى الأزمة المستمرة، ومع ذلك، فإن التضخم سيتجاوز بكثير المستوى المستهدف للبنك المركزي الأوروبي، ومع ارتفاع أسعار الطاقة فمن غير المرجح أن ينخفض قريبًا.
قال المحللون إن إعلان تعليق روسيا شحنات الغاز إلى بلغاريا وبولندا بعد رفض دفع ثمنها بالروبل كان المسمار الأخير في نعش التفاؤل باليورو.
اختلاف السياسة النقدية بين البنك المركزي الأوروبي والبنك الاحتياطي الفيدرالي
في اجتماع السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي في 14 أبريل 2022 ترك البنك المركزي أسعار الفائدة دون تغيير كما كان متوقعًا، كانت رئيسية البنك المركزي الأوروبي “كريستين لاغارد” أقل تشددًا مما توقعه السوق، وقد أثارت النغمة الحذرة قلق المستثمرين مما أدى إلى عمليات بيع اليورو.
لم يكن هناك أي تغيير في إنهاء عمليات شراء السندات، كما لوحظ في اجتماع مارس، سيتم تخفيض برنامج شراء الأصول (APP) إلى 40 مليار يورو (44.26 مليار دولار) في أبريل و 30 مليار يورو في مايو و 20 مليار يورو في يونيو.
هذه الخطوة تمهد الطريق لرفع أسعار الفائدة من البنك المركزي الأوروبي في الربع الثالث، ومنذ اجتماع أبريل تبنى العديد من صانعي السياسة في البنك المركزي الأوروبي نبرة أكثر تشددًا، مما يشير إلى أن البنك المركزي قد يرفع أسعار الفائدة في أقرب وقت في يوليو، ومع ذلك، لا يزال هذا بعيدًا جدًا عن زيادات البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في أسعار الفائدة والتي غذت رهانات التباين بين البنوك المركزية.
أدى تشدد البنك المركزي الأوروبي إلى رفع توقعات السوق للزيادات التراكمية لسعر الفائدة للبنك المركزي الأوروبي إلى حوالي 85 نقطة أساس بحلول نهاية العام، الاحتمال المتزايد لفرض حظر على الغاز الروسي يمكن أن يمحو من ارتفاعات البنك المركزي الأوروبي التي توقعتها الأسواق بحلول نهاية العام.
يتعرض اليورو لضغوط في نفس الوقت الذي يلاحق فيه الدولار محاولة لتشديد السياسة المالية من البنك الاحتياطي الفيدرالي، وقد رفع البنك الاحتياطي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في مارس ورفعها للمرة الثانية بواقع 50 نقطة أساس في مايو، تعتبر أسعار الفائدة المرتفعة صعودية للدولار حيث يميل المستثمرون إلى تحويل أموالهم إلى الولايات المتحدة لزيادة عائدهم على الاستثمار.
من الواضح أن مخاطر الركود التضخمي في منطقة اليورو آخذة في الارتفاع مرة أخرى، يبدو أن البنك المركزي الأوروبي في أزمة، حتى لو بدأ في رفع أسعار الفائدة في يوليو وبالتالي اتبع نهجًا استباقيًا ضد مخاطر التضخم فلا يزال هناك خطر حدوث أزمة طاقة، مما قد يؤدي إلى تدهور مؤلم للاقتصاد، من ناحية أخرى، إذا ظل البنك المركزي الأوروبي غير نشط خوفًا من الآثار الاقتصادية أو لم يفعل سوى القليل من وجهة نظر السوق، فإنه يخاطر بالتراجع عن المنحنى، لا سيما وأن إجراءات كوفيد في الصين من المرجح أن تستمر لأشهر وقد يعني أن هناك أزمة في سلاسل التوريد.
لهذا تبدو المخاطر على أسعار الفائدة والاقتصاد أعلى في منطقة اليورو في الوقت الحاضر، وهذا هو السبب في أن اليورو يكافح مقابل الدولار ولماذا تهيمن مخاطر الاتجاه الهبوطي على اليورو مقابل الدولار الأمريكي.
ما الذي رفع الدولار الأمريكي؟
في نفس الوقت الذي تعرض فيه اليورو للضغط، كان الطلب على الدولار الأمريكي يرتفع، ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي إلى أعلى مستوى له في 20 عامًا في الأسبوع الأول من شهر مايو، تم تعزيز الدولار من خلال مجموعة من العوامل بما في ذلك تدفقات الملاذ الآمن وسياسة البنك الاحتياطي الفيدرالي المتشدد.
في مارس، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس وهي أول زيادة لسعر الفائدة منذ بدء الوباء، في اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) في 4 مايو رفع البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس وأعلن عن خطط لتقليص الميزانية العمومية البالغة 9 تريليونات دولار والبناء إلى معدل 95 مليار دولار شهريًا على مدى ثلاثة أشهر
في المؤتمر الصحفي، قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي “جيروم باول” إن البنك المركزي كان يتطلع إلى رفع أسعار الفائدة بشكل أسرع في المستقبل، مع توقع رفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الاجتماعات المقبلة.
ما الذي يعنيه مزيج البيئة الجيوسياسية وخلفية السياسة المالية لأداء اليورو في المستقبل؟
من المرجح أن تظل النظرة المستقبلية لليورو على المدى القصير متأثرة بالاتجاه الهبوطي، مع احتمال انخفاض العملة الأوروبية إلى مستوى التكافؤ مع الدولار الأمريكي.
نعتقد أن التشاؤم الاقتصادي والتباين الواضح في السياسة النقدية غير المواتية بين البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي يضع اليورو في خطر واضح باختبار أدنى مستوى له في أوائل عام 2017 عند 1.0341 دولار في الأيام أو الأسابيع المقبلة.
إذا أوقفت روسيا تدفقات الطاقة، فقد يضطر المجمع الصناعي للكتلة إلى خفض الإنتاج بشكل كبير، مما يدفع منطقة اليورو إلى الركود، قدر البنك المركزي الألماني أن فرض حظر على الطاقة الروسية سيؤدي إلى انكماش بنسبة 2% في الناتج المحلي الإجمالي الألماني في عام 2022، وهذا من شأنه أن يمهد الطريق لاختبار التكافؤ لليورو مع تصاعد التدفقات المالية في منطقة اليورو بسبب تدهور التوقعات الاقتصادية، والتي ستجبر البنك المركزي الأوروبي على تأجيل الزيادات.
نظرًا للتشديد السريع للبنك الاحتياطي الفيدرالي، فإن معدلات / فروق الأسعار قصيرة الأجل ستزيد من جاذبية الدولار الأمريكي مقابل اليورو في الأشهر القليلة المقبلة قبل أول رفع محتمل للبنك المركزي الأوروبي في يوليو، وهذا قد يبرر دفع العملة الموحدة إلى ما دون 1.05 دولار، ونظرًا لتوقعات السياسة النقدية وتباطؤ النمو من الصعب توقع ارتفاع اليورو فوق 1.10 خلال الفترة المتبقية من العام وسط المخاطر الجيوسياسية المستمرة.